في تلك الساعة التي اتصل به فيها لأخبره أني قادمة إليه ، اشعر بالفرح في صوته يخترق الهاتف ليصل إلى قلبي .. يترك كل ما كان في يده ويسرع ينتظرني في الطريق المؤدي إلى البيت ، هو الشوق ظاهر عليه وهو يفتح ذراعيه ليحضنني وهو يغمرني بالقبلات يردد واه يا سعيدة شحال توحشناك . لا يهمنا المكان ولا تلك العيون التي تنظر إلينا من المارة، فلا شيء اهم من أن اراه وهو في صحة وعافية، لهذا يسرع دائما للقول أنا بخير وعلى خير و يردد كلمته الشهيرة كاينة سعيدة انا بخير، كنا نتاسبق من يسأل الآخر عن حاله: اخبرني كيف حالك ليرد هو آنت كيف حالك هل تعبت في السفر ؟ هل تشعرين بالجوع الآن ؟ تريدين ان تأكلي شيئا ؟ أقاطعه انا بخير اخبرني أنت كيف حالك؟
هل تأخذ دواءك بانتظام ؟ هل ينقصك شيء ؟ هو يردد دائما انا بخير و على خير..و حين نطمئن على بعض ارتاح وهناك تبدأ زيارتي لمراكش يكفي ان يكون هو بخير لتشرق الشمس وسط غيام الغياب و الشوق والحنين .. قلت له بلهفة قبل ان تنسيني في العطلة القادمة سنسافر إلى فا س أو إلى طنجة لن نضيع عطلة العيد في البيت ،كانت تكفيني تلك الفرحة في عينه وهو يسمع الخبر مما يدل ان الفكرة قد أعجبته، فقد سبق أن اخبرني برغبته في زيارة مولاي يعقوب ،صراحة السفر معه متعة ما بعدها متعة فحين نلتقي لا تتوقف الحكايات و لا نهاية للكلام و الضحك ..مرت اسابيع وكان كلما اتصلت به اذكره بفكرة السفر كنت اعطيه حافزا معنويا ليقاوم المرض و ليهتم بنفسه اكثر، وهو يردد ان شاء الله ، ومرة سألني عن الوسيلة التي سنسافر بها قطارام حافلة ، وانا كنت اخبره أن لها مدبر حكيم ..وفي نفس الوقت كنت افكر في قرض وشراء سيارة بل حتى اني كنت اضحك مع نفسي وانا اتخيل أني انتظره في محطة القطار وارى وقع المفاجأة عليه ، اكيد كان سيفرح، لأنه سيتأكد اني تخلصت من الدراجة النارية التي يكره لأنها تسبب في وفاة الكثرين في مراكش رغم اني اخبرته مرارا اني لا استعملها ، وعندها يفرح ويقول: سعيدة خصها سيارة ،فكانت مناسبة لاحقق له هذه الامنية فبدأت أفكر فيها بجد وأتصوره قاعدا بجانبي يا الله كم ستكون الرحلة رائعة وغاية في المتعة فنحن نشبه بعضنا في الكثير من الأشياء وان كان هو يمتاز عني بالكثير أيضا أهمها الحنان و العطاء بسخاء و انه الوحيد في هذه الدنيا الذي يستقبلني بالحضن والابتسامة ويودعني بالدموع ، اه يا الله كم تؤلمني دموعه ويتقطع قلبي وأنا أعانقه وأقول له لا عليك سنلتقي مرة أخرى وهو يردد سامحيني يا سعيدة مما يجعلني ابكي أنا أيضا .. كل هذا تذكرته وأنا في الطريق بين الرباط ومراكش في ليلة باردة حين اخبروني انه تعرض لوعكة صحية نقلوه على الفور إلى المصحة . لا اعرف كيف مر الوقت و لا كم كانت الساعة لكن حين وصلت كانت الوقت متأخرا جدا لم يسمحوا لي برؤيته فانتظرت الصبح لأراه هذه المرة لم ينتظرني في الطريق متبسما كما يفعل لم يضحك ولم يعانقني فقد كان مربوطا بالأجهزة و الأسلاك تحيط به ، اقتربت منه ، قبلته قلت له انا سعيدة هاني جيت عندك .. انا معك لا تخف لن أتركك سابقي معك .. شعر بوجودي حاول التكلم لكنه لم يستطع .. كان عندي أمل.. القليل من الأمل أن ينهض وان يتكلم ان يقل سعيدة جيتي …لم يستطع الحركة او الكلام ..نزلت دمعة من عينيه لتلخص كل شيء لقد رحل باعيوش لقد رحل والدي في تلك الليلة الباردة من ابريل ..
مرت سنة كاملة وأنا لا اصدق كيف رحلت كلما تذكرت تلك اللحظات يقف شيء حار في حلقي وتتحجر دموعي وليس لي سوى ان أقول لك لقد اشتقت لك وقد اتعبني شوقي .. فخذ ما شئت من أيامي وعد للحظة لأحضنك