سعيدة بنت العياشي
ذات يوم وانا في الطريق الى العمل استوقفني فصل من فصول الهيجان التي اعتدانا عليها في الحي. هذه المرة بطله شاب اعرفه جيدا، هو كأغلب الشباب الضائع ، انقطع عن الدراسة في سن مبكر وابتلعه الفراغ القاتل و غياب أي اشارة أمل نحو المستقبل في محيط يدفع الشباب مثله دفعاً الى تعاطي المخدرات او الجريمة. هو أيضا ذاك الشاب المرح الذي يبادر الى تقديم المساعدة دون أن يطلب منه ذلك ، لكن الفراغ واليأس يقتل كل شيء جميل في الشباب ها هو اليوم يرعد ويزبد ويخرج كل انواع السباب أغلبها لم اسمعه مثله في حياتي،
هذا النوع من المشاجرات يكون عادة لأسباب تافهة جدا لكن انفلات الاعصاب يجعلها تتطور و قد تصل الى مراحلها الخطيرة. وأكيد هذا شيء طبيعي مع ارتفاع البطالة وانسداد كل الافاق.. انا لم اتوقف لأصور المشهد ولكن لأن المرور كان مستحيلا امام عدد المتفرجين الذين هم ايضا يقتلون الوقت بمثل هذه “المعارك” الفارغة، نبهه احد الشباب ان عليه الابتعاد حتى تفسح الطريق امام المارة ، من جهتي ضغطت بقوة على منبه الصوت بحثا عن فجوة للمرور، التفت الشاب الهائج نحو صوت المنبه، ربما كان يبحث عن شخص آخر يفجر فيه ما تبقى من غضبه، اشرت اليه بيدي: اش هدشي واش ما ندوزوش؟؟ توقف قليلا ينظر إلي بإمعان، ثم التقط قميصه المرمى على الارض ،مسح به وجهه من العرق المتصبب.. وبخطى متثاقلة اتجه نحوي..كان الكل ينتظر ما سيقوم به وهو يصيح وكأنه وجد صاحب “دعوتو”: أختي المراكشية، شوفتي على حالة حنا فيها ؟ عار الحاجة الى ما شوفي علي.. شوفي على خوك ..راه والله ما باغيش نمشي الحبس، ولكن الى بقيت هنا والله حتى نقتل شي واحد، هادو ديلمهم باغين يكفنوني حي..باغيني نمشي للحبس بحالهم .. والله ما نمشي ليه..
وأطلق سمفونية السباب المختارة .. والتفت إلي مرة أخرى : ها العار يا اختي ..ياك انا خوك.. قالها بصوت اليائس من كل شيء.. كنت اعرف ما يقصد من كلامه فقد طلب مني من قبل ان ابحث له عن عمل و انا وعدته بذلك.و حتى اهدئ الوضع قلت له: نتكلم من بعد وعد مني و دابة سير يا أصاحبي فرق “الجوقة” مالك على هد الشوهة ؟..
طأطأ رأسه وهو يلبس قميصه قال :واخة اختي كلامك هو الكبير، وانا ابتعد كان صراخه من جديد يصل الى اذني: الله يعفو علي من دين مكم يا أولاد…والله ما نمشي للحبس بحالكم..