الرئيسية / سعيدة بنت العياشي / ما بغيتش نمشي للحبس
انا انسان

ما بغيتش نمشي للحبس

بقلم سعيدة بنت العياشي

كنت في طريقي إلى العمل، حين أوقفني مشهد من مشاهد الهيجان التي اعتدناها في الحي.
شاب أعرفه جيدًا… واحد من أولاد الحومة.
انقطع عن الدراسة مبكرًا، وابتلعه الفراغ القاتل، في محيط لا يُرينا من الأمل شيئًا، بل يدفع الشباب دفعًا نحو المخدرات أو الجريمة.

كان دائمًا ذاك الشاب المرح، المبادر بالمساعدة، حتى من دون أن يُطلب منه.
لكنه اليوم كان شخصًا آخر
يصرخ، يسبّ، يهدد، ويخرج من فمه كلمات لم أسمع مثلها في حياتي.

السبب؟ شيء تافه كأغلب هذه المشاحنات
لكن الأعصاب التالفة، والبطالة، وانسداد الأفق، كلها وقود سريع للاشتعال.

تجمهر الناس، فالكل يقتل الوقت بمثل هذه “المعارك“.
أنا لم أتوقف لأشاهد، بل لأن الزحام كان خانقًا.

ضغطت منبّه دراجتي النارية بقوة لأجد لي ممرًا.
التفت إليّ الشاب الغاضب، بعينين تبحثان عن ضحية إضافية.

أشرت إليه بيدي:
آش هادشي؟ واش ما ندوزوش؟

توقف لحظة، نظر إليّ بإمعان، ثم انحنى ليلتقط قميصه الملقى على الأرض، ومسح به عرقه المتصبب.
اقترب بخطى مثقلة، والكل ينتظر ما سيفعله.

صرخ بصوت مختنق:
أختي المراكشية… شوفتي الحالة اللي حنا فيها؟
عار الحاجة… شوفي عليّا… شوفي على خوك.
والله ما باغي نمشي للحبس، ولكن إلى بقيت هنا، والله حتى ندير شي مشكل كبير
هادو باغيني نتكفن حي، باغيني نضرب شي واحد
ولكن أنا ما بغيتش نمشي للحبس بحالهم.

وانفجر مجددًا بسباب غاضب.
ثم التفت إليّ مرة أخرى، وقال بصوت منكسر:
ها العار يا أختي… ياك أنا خوك؟

عرفت ما يقصده، فقد طلب مني من قبل أن أساعده في إيجاد عمل، ووعدته بذلك.

هدّأت الموقف وقلت له:
وعد مني، نتكلم من بعد… دابا سير، فرّق الجوقة، مالك على هاد الشوهة؟

طأطأ رأسه وهو يلبس قميصه.
واخة أختي… كلامك هو الكبير.

ابتعدت قليلا، ومازلت أسمع صوته يتلاشى، وهو يصيح:
الله يعفو علي من دين مكم يا أولاد… والله ما نمشي للحبس بحالكم

#أنا_إنسان

شاهد أيضاً

ثورة سوريا تنتصر على الأسد

الحرية  والكرامة فجر يوم الأحد الماضي،8 دجنبر 2024؛ حققت المعارضة السورية المسلحة انتصاراً عظيماً على …

محمد لجم

محمد الجم، الرجل الذي…

سومية منصف حجي بربطة عنق تدلت فوق حزامه وتجاوزته ببضع سنتيمترات، وسروال في خصام دائم …

لماذا ذاكرة سلا والتاريخ الراهن؟

يخترق مفهوم الذاكرة، كتمثل قيمي وكتراكم معرفي ، تاريخية الفكر الإنساني وشواهده الحضارية منذ فجر …

ذكرى الوفاء

الصديق : لقد اخترت رفاقي وما ندمت

بقلم:  سعيدة بنت العياشي عندما زرته في ذاك اليوم كان الصديق الاحرش يمر بوعكة صحية …

عودي إلي فهناك قلب سيضمك العمر كله 

سعيدة بنت العياشي كانت علاقتهما حديث الحي كله ، يعلم بها الكبير والصغير ، بل …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.