صحيح جدا أن الدنيا حظوظ، فكلاب نجدها أكثر حظا من بعض البشر حيث تصرف عليها ميزانية قد تفوق أحيانا أجرة موظف حكومي: متابعة طبية وعلاج وتطعيمات وغير ذلك.. ، تجعل هذه الكائنات الاليفة والجميلة تتمتع بحياة الترف والرفاهية ، وفرق كبير بين كلب الجيران المربوط في السطح و الذي يزعج كل الحي بنابحه ،وبين كلاب انيقة و غاية في الادب اصادفها كل صباح اثناء فسحتها الصباحية وقد تلاحظ سعادتها وهي تشم هواء نقيا بين أشجار و حدائق فيلات حي الرياض.. ولأني أحب هذه الحيوانات اتابع حركاتها وفي نفسي ذكرى لكلبي المرحوم “ويسكي” الذي مات فطلبت من جارتي مسعودة المرأة المسنة حمله، بعد ان كفنته في فوطة بيضاء، لدفنه في المقبرة القريبة من الحي.. فضبطها الحارس وأشبعها وابلا من السب: كيف يدفن كلب مع المسلمين!! وانا لم اعرف ان كلبي المرحوم ليس مسلما وهو كان يوقظ والدي كل يوم قبل آذان الفجر..
وانا اتابع كلاب حي الرياض كنت كل يوم اصادف كلبا جميلا طالما تمنيت ان يكون لي واحد مثله فتراجعت عن الأمنية بعد ان عرفت ان ثمنه غالي جدا اكثر من ثمن خروف العيد فاكتفيت بالمتابعة اليومية عن بعد ..اخفف سرعة الدراجة كلما اقتربت منه لأراه لبعض ثوانٍ و استمر ، كان صاحبه شابا انيقا ولطيفا ، كل مرة كان الشاب يلقي التحية بأدب وهو ما يشكل استثناء في هذا الحي البورجوازي بسكانه المتعالين جدا، و عندما انتبهت اليه والى تواضعه أصبحت ارد على تحيته بابتسامة وعيني على كلبه لا عليه ، تكرر الامر كثيرا وكأن للكلب موعدا محددا للفسحة الصباحية، هذه المرة الشاب الوسيم لم يلق التحية كالمعتاد بل طلب مني التوقف ، في لحظة اصابني حلم يقظة : تمنيت ان يقول لي تريدين هذا الكلب خديه هو لك !!. توقفت.. اقترب الشاب: صباح الخير – صباح الخير ، معذرة هذا الكلب جميل جدا ما اسمه ، أجاب انه فصيلة معروفة اسمه “راش” قلت جميل ، إذن صباحك سعيد وتهلا فيه ، و هممت بالمغادرة فقد عرفت اليوم “راش”
حين قال لي الشاب ، اختي ألا تذكرينني ؟ انا؟ لا يا اخي اعتذر منك لأني لم انتبه هل لنا معرفة مسبقة؟، أجاب الشاب نعم.. فأصابني الخجل من ذاكرتي الضعيفة ، فطلبت منه المعذرة ، حينها اخبرني انه ذات يوم وعبر صديق مشترك بيننا قدمت له المساعدة من اجل انجاز بحث حول الفقيد عزيز بلال و يقول ان ما قدمته له ساعده كثيرا في بحثه “حول عزيز بلال و إشكالية التخلف” وقد نجح و نال الاجازة في الاقتصاد ، اسعدني حقا ان يتذكر ذلك ، و اسعدني حقا ان من يدرس للمفكر التقدمي عزيز بلال لابد ان يكون متواضعا و لو كان له كلب غالي اكثر من خروف العيد ولو كان يصرف عليه أموالا كثيرة و يضطر لإخراجه للفسحة كل صباح حتى لا يصاب باكتئاب ككلب الجيران ، بالقدر الذي اسعدني نجاح شاب ذكي استطاع ان يجد معادلة بين فكر عزيز بلال و أسباب التخلف، بالقدر الذي تخيلت كل شيء إلا ان اصدم حقا و أن أكره في ذاك اليوم الكلاب وكل الحيوانات الاليفة حين علمت انه بشهادته لم يستطع ان يجد عملا قارا وعكس ما تخيلت ليس هو صاحب الكلب بل يشتغل فقط كمرافق له بالاضافة الى اشغال اخرى لا علاقة لها بشهادته الجامعية التي قد يكون اخفاها وكل دراسته ، بعد ان اضطر لهذا العمل بسبب ظروف قاهرة يعيشها ..
احسست بمرارة في الحلق و انا اسمع كلماته و انظر الى ابتسامته، كنت أقول مع نفسي ان أسباب التخلف كثيرة و منها ان يتحول شاب مثقف الى مجرد حارس لكلب تباَ لك ايتها الظروف..
من يومها وانا كلما رأيت كلاب حي الرياض المحظوظة لا انظر اليها بل انظر الى وجوه المرافقين فهي أولى بابتسامة صباحية أتقاسمها معهم صباح كل يوم..
سعيدة بنت العياشي
#أنا_إنسان
