الرئيسية / الرئيسية / عمتي .. أو حين يئن قلب صغير من الوجع
عمتي

عمتي .. أو حين يئن قلب صغير من الوجع

سعيدة بنت العياشي

سعيدة بنت العياشي
أعرف تلك النظرات الحزينة، و التي تحمل أكثر من سؤال و لعل أهمها : لماذا نحن لا نستطيع .. وقفت مثلها عدة مرات و انا ذاهبة الى المدرسة  لا املك ما أشتري به قطعة حلوى كنت اكتفي بالمشاهدة والحسرة وبالكثير من خيبة الامل و كان السؤال يكبر كل مرة : لماذا لا نستطيع ؟

كان واقفا بجسده الصغير يراقب صديقيه وهما يتسابقان على شراء الحلوى، وكل واحد منهما يشير الى نوع البسكويت الذي يعجبه.. كان صراخهما عاليا لكي يجبران البائع على الإسراع. أما هو فقد كان يعانق محفظته مطأطأ رأسه ويراقب من بعيد لأنه ليس لديه بما يشتري مثلهما بسكويت او حلوى. ينتظر.. من يدري قد يحن أحد صديقيه ويعطيه قطعة صغيرة، او يعاند كما يفعل الصغار دائما ويتكسر قلبه الصغير من الحسرة. انا لا اريده أن يشعر بذلك الإحساس الذي جربناه كثيرا أثناء ذاهبنا الى المدرسة ، نمر على بائع الحلويات ونكتفي بالمشاهدة والحسرة تقتلنا  و نتساءل لماذا لا نستطيع؟
وقفت أراقب الطفل الصغير و قد شغلت نفسي بالبحث عن شيء في حقيبتي. اقتربت منه واخذت يده الصغيرة ودسست له بعض القطع النقدية، حاول الرفض. فضغطت على يده وانا اقبله وأهمس في أذنه اشتري انت أيضا ما تريد..  لم يقل شيئا نظر إلي وأسرع وهو يصيح حتى أنا اعطيني هذه.. كان فرحاً ..اندهش الصديقان وسأله أحدهما: من اين لك بالنقود؟
أجابه دون تفكير مسبق: عمتي ..
عمتتتتتك ؟ قالها الصديقان باندهاش
أجاب : آه انها هناك ذاهبة
-كذاب هاديك ماشي عمتك يا الكذاب..
قال الصغير: والله حتى عمتي..
ما زلت قريبة من المكان او ربما تأخرت قليلا حتى أرى نهاية للمشهد، كنت ابتسم من هذا النقاش  الطفولي الجميل حين سمعت الصغير يقول والله ما كذاب هاديك عمتي ثم نادى بأعلى صوته:
-عمتي .. عمتي ..
بدون تردد التفت اليه لوحت بيدي و وقفت انتظر وكأني اسأله ما به..
 أنا اعرف انه يريد النجاة من ورطة السؤال عن عمته المزعومة  وانا ليس لي مانع من المشاركة ان كان الهدف هو فرحة صغيرة لطفل كان يريد فقط الحصول على قطعة حلوى ..
التفت الصغير الى صديقيه المندهشين وهو يبتسم قال لي  : عمتي، صافي غير سيري..وكأن المهمة انتهت..
اجبته :سير للمدرسة غادي يمشي عليك الحال..
حرك رأسه وهو يبتسم و الصديقان مازال مندهشان. فنحن نسكن في حي شعبي الكل يعرف الكل إن لم يكلمه مرة فقد التقاه عدة مرات .إضافة أن كلما كنت قريبا من الناس سيعرفونك أكثر ..
من يومها . كلما مررت قرب تلك مدرسة كان الطفل يتسلل من بين أقرانه ويسرع إلى و يعانقني . اسأله عن أحواله ودراسته ، وأذهب .. مرة لاحظت ام أحد التلاميذ تواصلي مع الطفل فاقتربت مني  وقالت : ربي يجازيك  يا اختي .. سالتها لماذا ؟ فالامر عادي و أطفال الحي يعرفونني .
قالت لي:  ذاك الطفل يعيش مع جدته المسنة  لأنه يتيم الأبوين..

أحببت ذاك الطفل فصرت عمته فعلا و أصبح هو ابن اخ رحل  وترك ولدا جميلا تتقاذفه أمواج هذه الحياة ويسائلنا كل مرة كيف تكون انسانا إن لم تمد يدك لانتشال يد صغيرة من الانكسار..
#انا_انسان

 

شاهد أيضاً

عودي إلي فهناك قلب سيضمك العمر كله 

سعيدة بنت العياشي كانت علاقتهما حديث الحي كله ، يعلم بها الكبير والصغير ، بل …

طوفان الافصى

طوفان الأقصى والحرب الانتقامية في غزة

سعيدة بنت العياشي كانت إسرائيل تصور نفسها على أنها الدولة القوية  الأكثر تنظيما و الأكثر …

عروسان تحت الركام في زلزال الحوز

مأساة حقيقية انكشفت اثناء جهود الإنقاذ والمساعدة خلال اللحظات الأولى التي أعقبت الزلزال المدمر الذي …

بين ركام زلزال الحوز قصص إنسانية جد مؤثرة

في أحد أيام الخريف من العام الماضي… كنت أقود خلوة روحانية في ويركان في الأطلس …

زئير لبؤات الأطلس انتصار ضد كوريا… أم انتصار ضد التنمر

بقلم.سومية منصف حجي إن المتتبع لكرة القدم بالمغرب يدرك جليا أن ممارستها من طرف الفتيات …