
بقلم: سعيدة بنت العياشي
بين صورتين يفصل بينهما عمرٌ من التحوّلات، يبقى شيء واحد ثابتاً:
أن الذاكرة حين تُكتَب بصدق تتحول إلى فعل مقاومة.
من العريس إلى ميموزا، يظل صلاح الوديع ذلك الإنسان الذي يجعل من الألم درساً، ومن الكتابة ضوءاً، ومن اللقاء لحظة تستحق أن تُحفظ في القلب قبل الصورة.
الصورة الأولى تعود إلى سنوات خلت في لقاء مع الشباب كان ضيفها صلاح الوديع الذي غادر السجن قبل سنوات قليلة من ذلك، كانت مناسبة لتوقيع رواية العريس ؛ ذاك العمل الذي شكّل منعطفاً في أدب السجون، لأنه استطاع أن يخرج من الألم المحض الذي عاشه معتقل سياسي تعرض كل أنواع التعذيب لا يمكن أن يتصوره العقل، فحول تلك المعاناة إلى كوميديا سوداء. ، وكأن صلاح الوديع في “العريس” حول تجربة الاعتقال السياسي من حيز مغلق على الجرح إلى حكاية تشتبك مع السخرية، وتربك القارئ بين ضحك مبحوح وبكاء مخنوق بكل الألم.


كانت تفاصيل الرواية تنفذ إلى وجدان القارئ مثل إبر حادة، بالرغم من طريقة سردها التي تمنحك فرصة تنفّس، كأن الضحك هنا لا يلغي الوجع، بل يرفأ لحال القارئ ويخفف ثقل الصدمة. في ذلك اللقاء أحس الوديع ورفاقه وعبر لقاءات أخرى أن نضالهم لم يذهب سدى، وأن خلف أسوار السجون كان هناك دائماً من يمد يداً تقول: لستَ وحدك.

كنت أحفظ مقاطع من العريس لما تحمله من عمق انساني وإحساس قوي، في لقائي مع صلاح ولأعبر له ان ما يكتبه يصل الى الناس ،وجدت نفسي أردد بعضاً من الصورة القوية في العريس، وأستعيد أبياتاً من شعره:
“ستقتلني جراحاتي وأوهامي
ومن يأتي ولا يأتي
وحلمٌ ملء أيامي
يواعدني ويتركني أراقب ميقاتي…”
لم أكمل حتى رأيت التأثر في عينيه؛ فقد كان الوديع — وما يزال — إنساناً مرهف الإحساس. وعندما وقّع لي “العريس”، كتب كلمات ما زالت احتفظ بها:
“إلى العزيزة سعيدة بنت العياشي التي وجدت الطريق إلى الشعر في ذاتي خلال سنوات الدجى السوداء. كلامك على كل ذلك ترك أثره في نفسي. شكراً على تضامنك الإنساني.”
في لقائنا أمس. ذكرتُه بالعريس، وقرأ ما دوّنه لي في لقائنا الاول. كنتُ أتساءل: كيف ستكون ردة فعله بعد كل هذه السنوات؟
لكن الحقيقة أن صلاح الوديع لم تغيّره السنوات. ما زال محافظاً على ذلك التفاعل الإنساني الذي جعل منه ليس كاتباً متميزاً فحسب، بل إنساناً متصالحاً مع ذاته ومع تجاربه. ما زال يؤمن بأن تحويل الألم إلى كتابة ليس ترفاً، بل فعل مقاومة في حد ذاته.

جاء الوديع في لقاء “ميموزا” ليؤكد أن الذاكرة لا يجب أن تُطوى؛ لا ذاكرة الاعتقال السياسي، ولا تلك المحطات التي ما تزال تطرح أسئلة على الأجيال المقبلة. فالسرد الشخصي — كما قال — يساعد على فهم التحولات المجتمعية، ويحمي الماضي من السقوط في النسيان، ويعيد الاعتبار لمن عاشوا تلك الفصول القاسية.
في ميموزا، كتب صلاح الوديع ما يتجاوز سيرته الذاتية. كتب نصاً يخصّ كل من يؤمن بأن الذاكرة حق، وأن الحقيقة ضرورة، وأن الأجيال المقبلة تستحق أن تعرف ما جرى…
في مغرب نريده جميعاً فضاءً للكرامة، ولحقوق الإنسان، ولحكايات لا تُطمس مهما طال الزمن.
انا سعيدة فعلاً بهذا التواصل مع شاعر وكاتب وانسان و كما قال يوما : واصل معي يا صاحبي
مازال في القلب شيء يستحق الانتباه..
سعيدة بنت العياشي
أنا إنسان مدونة تعنى بالقضايا الإنسانية