حين تركت صديقي..

مذكرات من زمن كورونا

بقلم سعيدة بنت العياشي 

في هذه المدينة الكبيرة ستشعر بالكآبة إن بقيت وحيدا ، فكيف و انا مراكشية  أحمل معي ثقافة مدينة  متميزة بطبعها الاجتماعي وحب الناس ، كل الناس و ان لم تجد ما تقدم لهم فابتسامة كافية في وجهوهم كصدقة جارية نوزعها بسخاء ..
في هذه المدينة الكبيرة لدي صديق عزيز احبه و يحبني انا لا اخجل ابدا من التعبير عن مشاعري فكل ما نشعر به هي احاسيس إنسانية البوح بها لا يعتبر ضعفاَ ، صديقي متواضع و خجول .. كنت كلما ضاقت بي الدنيا نخرج معا في نزهة  وكثيرا ما كنت اغني له بصوتي الجميل ، اعتقد انه كذلك فصديقي لم يتدمر ابدا من سماعه . فكثيرا ما كنت اغني ناس الغيوان و لرصاد و مارسيل خليفة و الشيخ امام وإذا كنت ناشطة اقلبها للشعبي . كنت اشعر بالفخر وهو يسمعني وهو الوحيد في هذه الدنيا الذي لا يغلق أذناه و يقول لي ها العااار الى ما سكتي راه شوهتي الاغنية …

كانت علاقتنا جميلة الى ان بدأ البعض من الأقارب و أصدقاء “السوء” يزنون على اذني زن زن زن كذبابة التسيتسي .. اتركيه.. اتركيه .. اتركيه انه لم يعد يليق بك .. انه مسكين ومتواضع جدا و انت يليق بك احسن منه..ومع كثرة الزن تساءلت يوما  هل اترك صديقي؟ خرج صوت خائن من داخلي قال لي آه اتركيه ..اتركيه وشوفي غيرو .. فتركته .. واستمريت في حياتي ..
لم اسأل عنه لشهور.. فقد اعتدت على الحياة وهو غير موجود فيها،  بل اكتشفت  انه له عيوب لم تكن ظاهرة  لي من قبل.. ومع الوقت نسيته تماما..

ولأن الحياة لا تتوقف عن اعطائنا الدروس، ولأن الظروف تظهر لك معدن الأشخاص و نوعية الأصدقاء الذين يمكنك الاعتماد عليهم وقت الضيق.. جاءت كورونا اللعينة ،  لتعري كل شيء وتجعلنا مكشوفين بلا حجاب ، عراة  لا يغطينا إلا ستر الله سبحانه .. كل الدين قالوا لي اتركيه ابتعدوا  عني .. فقد ابتعد الجميع عن الجميع. فقد أصبح شعار المرحلة ” في التيساع رحمة” فابتعدوا ما استطعتم و لا تقتربوا .. اما انا فقد ركبني الرعب و أصبحت كالمجنونة  كلما خرجت اضع الكمامة و المعقم و اسير في الطرقات وانا اردد مع عبد الحليم حافظ : وسرت وحدي حزينة ، محطمة الخطوات ..أخاف حتى من ظل شخص ان يقترب من ظلي و ينقل له العدوى فاهرب من الناس و من ظلالهم فكل شيء صار مخيفا..
في الوقت الذي صار فيه الابتعاد واجبا وطنيا ظهر صديقي القديم  وقال لي انا سأكون معك ..سنواصل المشوار بعيدا عن البشر.. انا وانت و بس .. ما أروع الوفاء و اقبح زن ذبابة التسيتسي..
هذا الصباح كنت معه و كنت اغني له كيف يدير يا سيدي لي قلبو كيبغيك يا سيدي ..
اكيد استمتع لأنه لم يتوقف في الطريق للاحتجاج والقول ان صوتي مزعج..
انه صديقي الموتور .. أجمل رفيق في زمن كورونا ..