سعيدة بنت العياشي
مازال في منتصف العمر، محافظا على بعض من لياقة ورثها من سنوات طويلة وهو يمارس الرياضة، قبل أن تنهار صحته بسبب مرض ألم به، تكسرت أحلامه، لم يعد يحلم بالسفر، ولا بتسلق الجبال رياضته المفضلة، الآن كل ما أراده، شيء بسيط، أن يهدأ السعال. أن يضحك من أعماقه تماماً كما فعل دائماً دون أن يؤلمه صدره. أن يبتسم دون أن يشعر بأن شيئًا ثقيلًا يُطبق على ضلوعه.
يعرف أن صدره مريض. هذا ما يردده الطبيب، وتؤكده الأيام. لكن ما لم يقله أحد: أن هذا الصدر لا يتعب فقط من المرض، بل من خيبةٍ متكررة… من أحلامٍ وُلِدت قصيرة، ثم اختنقت.
كان بشوشا مفعماً بالحياة دائم الضحك بل كان مصدر سعادة لكل أصدقائه. هو الآن يجلس في ركن في مقهى يراقب الناس يضحكون من أشياء تافهة، فيبتسم وحده، يتمنى أن يشاركهم، أن ينفجر ضحكًا معهم… لكنه ما إن يضحك، حتى يتحوّل الضحك إلى نوبة سعال حاد، يخنق أنفاسه.
تكررت تلك اللحظة كثيرًا…يضحك .. يسعل. ويصمت طويلا. في كل محاولة يبدأ الناس بالنظر إليه، أحدهم بشفقة، وآخر بتوتر، وآخرون يتجاهلونه تمامًا. لم يعد مصدر سعادة كما كان .. صار الأمر مزعجاً.
“يجمع بعضه يغادر المقهى منكسرا و يعود الى بيته. “ربما هذا قدري”، هكذا فكّر ذات مرة، بينما كان يسعل وحده في منتصف الليل، وضوء الشارع ينسكب كالحزن على جدران غرفته. “أن أحلم دائمًا بأشياء لا تكتمل. أن تكون ضحكتي بداية النهاية، لا ليست نهاية ..
فصار كل صباح، كلما وقف أمام المرآة، يرسم على وجهه نصف ابتسامة، يقول لنفسه:
لن أمنع نفسي من الحلم، حتى لو تحوّل إلى سعال.
في أعماقه، كان يعرف أن مجرد المحاولة، هي الحياة نفسها.