لم تكن فقط أمي بل كانت أختي وصديقتي ورفيقة درب النضال، لم أتقبل أن تكون عاجزة عن الكلام وهي التي ألفت حديثها عن اخبار الطقس والسياسة والرياضة و الأفلام و الرسوم المتحركة و كثيرا عن الاستعمار و الكفاح من أجل الاستقلال ، ولن تتعب من الحديث عن كيف خرجت وهي صغيرة السن للتظاهر ضد بن عرفة و من أجل رجوع محمد الخامس، وكانت تقسم ان الناس رأوا السلطان في القمر، وانا أقول ليها نعلي الشيطان ألالة فاطمة راه غير تخيال ليكم، في البداية كانت تغضب و لكن مع مرور السنين بدأت تقول رأيناه في القمر لأننا كنا نحبه.
لم يكن يرهبها الكلاوي و مخازنيته الذين كانت تصادفهم في كل زاوية من مراكش، فالموت من أجل الوطن أفضل من العيش في ذل الاستعمار، هذا هو شعارها ، و لعله الحليب الذي أرضعتني إياه ، حتى صار رأسي قاصح لا أتنازل عن الدفاع عن حقي وحق كل من أشعره أنه
مظلوم.
أمي عاشقة كبيرة لكرة القدم فالحي الذي كبرت فيه عرف نجوما في بداية الخمسينات من القرن الماضي وكانت من ضمن الناس الذين خرجوا لاستقبال فريق الكوكب المراكشي في 1955 عندما فاز للمرة 2 بكاس العرش و طبعا تحكي لنا ذلك بالكثير من التفاصيل و النشوة و الافتخار بإنجاز أولاد الحومة( ابن احدهم هو الطاهر لخلج لاعب المنتخب في 98) ، و تحفظ أسماء اللاعبين، مرة كنا في الرباط و قلت لها ان اللاعب التمومي ( لاعب الجيش و المنتخب الوطني) يقف قرب السيارة امامنا ، لم تتركني اكمل الكلام حتى اسرعت اليه بجلبابها المراكشي التقليدي و لثماها و قالت له بتمراكشيت السي محمد كيف داير اوليدي؟ تفاجأ التمومي وقال لها مبتسما:واش عرفتني الواليدة ؟ قالت له : الله يا ودي ياك انت هو التمومي ؟ قال ليه ايه الوالدة، وبقت تقشب عليه وتذكره ببعض الاحداث مثل اصابته امام مصر التي كسر على اثرها و اختتم اللقاء بعناق بينهما ودعوات الخير.
أمي تحب الاستماع لقراءة القرآن و أحيانا أقرأ لها بعض السور بصوت مرتفع وتتركني الى الأخير لتقول: لي نوضي وانت دايرة بحال شي فقيه ديال المقبرة .. ضحكت حينها كثيراً..
أمي تعبت كثيرا على تربيتنا ، وعندما جاء الوقت لتستريح وتتمتع و لو قليلا بهذه الحياة أصابها المرض اللعين لتدخل في صراع ليس من أجل استقلال الوطن و لكن من أجل استقلال الذات من الوجع والالم، و من كثرة الادوية التي لا تنتهي و لا تريد ، حتى صار جسمها نحيلا وتساقط شعرها الجميل ، الذي كلما كانت تمشطه كنت اغار منها وأقول لها ، دخلنا عليك بالله حيث كنتي حاملة بي و تتوحمي علاش ما توحمتيش على شعرك على الأقل يكون زوين ماشي بحال هذ السدرة سيدي غريب لي عندي ( سدرة سيدي غريب نعت نقوله في مراكش على الشعر المشعكك)؟ كانت المسكينة تضحك و تقول و هدكشي لي عطاك الله.
لله ما أعطا ولله ما أخذ مرت سنة على فقدان الحبيبة مرت سنة بلياليها ونهاراتها كئيبة و حزينة ، مرت سنة وانا لم ار امي ، مرت سنة و انا لم اكلم أمي مرت سنة وانا لم أسمع دعوات، أمي مرت سنة و انا وحيدة اعناق غطاء أمي لأنام ، وأستيقظ مرعوبة معتقدة أني نسيت أن اعطيها الدواء أواغطيها من البرد ، أحيانا أسمع نداءها وأسرع لأجد المكان فارغا ليس به سوى الذكريات.
آه يا أمي لقد جف الدمع ، آه يا أمي لو أستطيع لمس يدك ، ولو استطيع وضع الحناء في كفك كما تعودت دائما وانت فرحة بها وسعيدة و تقول لي الله يحن عليك يا بنتي .
انا وحيدة بدونك يا أمي وسط الزحمة، و حزينة جدا وليس لي سوى ذكرياتك ودعواتك
انا حزينة جدا وها هي سنة انقضت وانت لست هنا
رحمك الله يا أمي يا أختي وصديقتي رحمك الله يا لالة فاطيم
سعيدة بنت العياشي
By outsourcing their writing assignments, students write my paper can focus on other important academic or personal tasks.