ورزازات..وشم في ذاكرة: 3_مدرسة “جنا”و”مولاي” المركزية
بقلم:ادريس البوکيلي الحسني
زحف الزمن علينا روتينيا،تتابعت الايام والسنون،وتوالت الأحداث والوقائع ….وبين المد والجزر،والفشل والنجاح…تستمر الحياة وتتواصل رغم انفنا،غير ان الكل يحاول ويحاول تحمل مسؤولياته ،ومواجهة المصاعب والمشاق.وإن كنت من ورزازات فلن ينسيك ماسبق صورة المدرسة المركزية وسط أرض التلال وملحقتها بحي سيدي داود،مدرسة ستبقى في الذاكرة والوجدان، ستتذكرها وهي محاطة-كما لو أنها محمية- بدور جنود وضابط الجيش الملكي،وعلى مرمى من معسكراته.
– كانت المدرسة آنذاك رحبة الصدر، لا عتبة ولا مقياس،
فكيفما كان سنك اومستواك، فمقعدك بنتظرك،والمدير” مسيو جنا”Piere Jeanin رفقة مترجمه ومساعده”مولاي” سيستقبلانك…
– كان المطعم غنيا كتدي الام ،كريما كوليمة حاتم ،أما الساحة فشاسعة رحبة بنخيل باسق سحوق،وشجيرات توت وتاكوت (الطرف )،وفي الجوانب نباتات وشتلات ترتوي من جدول جار ، يشق الساحة شطرين،احدهما به دوحتان وارفتا الظلال، ورتاج كبير لدخول وخروج التلاميذ كان هذا الباب الكبير مفتوحا على الشارع الرئيس في ورزازات،اما الثاني ففيه مدخل لغيرهم وساحة جرداء، تطل عليهما تلة من صلصال.
كانت المدرسة بسيطة بساطة شواهد مدرسيها ،لكن
قيمتها وقيمتهم كانت سامية عالية،كانوا مصابيح نور وإشعاع
مخلصين في تدريسهم، متعففين،صارمين بدون قسوة ،أنيقي المظهر والكسوة،عقابهم ضرب رحيم..لا يسألونك من أنت؟لكنهم
يعرفون من أين وكيف أنت..مزاجاتهم متباينة وحكاياتهم مع بعضهم ومع التلاميذ لا تخلو من دعابة ومسخرة…فاسألوا زملاءنا :زاكي ودارو وشكودرة..كنا ندرس ونلعب ونتسلى،
– لكننا كنا نندمج بدون ان نشعر،ننسج ثوبا باناملنا وبتوجيه معلمينا في منسج نعرف فضاءه وآلياته ،ولا نعرف مراميه واهدافه .فيه اكتشفنا الحرف،شكله وطبيعته، ووعينا خلق الكلمة منه، وكيف تتفاعل مع اخواتها في اذهاننا ،فنحوله صورا زئبقية جميلة،مفعمة بالمعاني والدلالات الرائعة..
مضت سنون قليلة ، فانتقل بعضنا الى ملحقة جديدة وقريبة،فكبر حلمنا،لكنه لم يتجاوز قامة الدركي والشرطي او المعلم كمهنة وامنية …
كانت مدرستنا من بنين وبنات،متواضعة بسيطة،كل قاعة فيها مؤثتة بها سبورة كبيرة مفتوحةعلى الأبصار والآفاق،مكتب وطاولات وكراسي من خشب ،تفوح منها رائحة العزم وإلاصرار،
دفاتر وكراسات،ريشة ومدواة، طباشير وممحاة…عبقها مخلوط
بأنفاس مسام الأطفال،عالم شم زكي فواح،لازال حاضرا في الإحساس ،لصيقا بخياشيم تلاميذ مركزية ورزازات.
حصة الأناشيد كانت طرفة وسماع،كل منا كان يظن نفسه غريد أقرانه ومطرب زمانه،كل نشيد كان يهز كياننا،يحاور اعماقنا ويجمل اذواقنا..اما الرياضيات فأهم وسائل الفهم والايضاح،
كانت حبات الغلال والخشيبات.. المحادثة حصة أصوات ونبرات متفاوتة ،حركات وإشارات متقاربة أو متباعدة،لغة الجسد حاضرة مشاركة ، بين السؤال والجواب عيون تبرق محدقة في بعضها وفي وجه رب الفضاء…مواد باللغتين كثيفة ورئيسة،شكلت أسس معارفنا،وقومت افكارنا،وقيمت سلوكنا،
بل قاومت اميتنا وجهلنا،فحفظ القرآن كان اساس تهذيب النفوس ،فلم ننس ما قاله احد معلمينا رحمهم الله “كلام الله يقوي الإيمان والذاكرة،ويطهر القلوب والافئدة، ويبعد عن قارئه
البلايا ،ويقيه من شر الانس والجن” ..كانت تلاوة كتاب الله في الفصول جهرية ، كما لو كنا بها نبعد السوء ونطرد الأرواح الشيطانية عنا ،عن مدرستنا والمدينة
في فترات الدراسة لا يمر يوم دون ان نسمع دقات الناقوس الحديدي : طاق تيك ..تيك طاق،تكتكات أو طقطقات
دقات موسومة في آداننا، لا زلنا نسمعها حتى الآن ، بعدها تاتي الحركات هادئةوخفيفة،تتلوها أصوات..فضجيج يعلو ثم صخب
ينتشر طولا وعرضا في الفضاء..فغبار يتصاعد ،يعمنا يداعبنا بذراته السحرية، كانت الساحة ترابية غير مبلطة،لا احد كان يكترث لذلك ،فقد الفنا اكثر ، تعودنا عواصف وعجاجات مسائيات ورزازات…واقع عصي على التغيير ، في مسلسل طويل أبطاله
تلميذات وتلاميذ مجبولين على الحركة، مضطرين على نفظ كل الزوائد العالقة بدواخلهم وابدانهم،نماذج بشرية صغيرة ،تختلف قامة وانتماء اجتماعيا، جنسا ولونا …لكنها تشترك في البراءة، حيث شرع المحيط في نحثها على شاكلته ،
وادخل بعض الرتوشات على صورها وخصائص شخصياتها، هدفه جعلها متشبعة بالقناعة والعزة ،والبساطة والارادة الصلبة…
خاصيات ومميزات اكتسبها تلامذة المدرسة المركزية فتعممت فاضحت من مميزات ابناء وبنات ورزازات .
يتبع..