– 1 – جغرافية الذات
كما هي مدخل للرمل والنخيل والحجارة،هي مدخل للبساطة والذكرى والاثارة،كانت ورزازات ولازالت ذلك الفضاء الذي تنطلق منه عوالم الايحاء والذاكرة،اما الزمان فهو اوائل الستينيات الى حدود نهاية السبعينيات.
ورزازات انثى بثائها وبرموز ابجديتها، هي فروج وشعاب،تلالها نهود فتيات في سن السحر والجمال،هي قلعة منسية في بحر التهميش وقناع اللامركزية،نكرة تبحث عن هويتها في حروف الهجاء ،مبعثرة الروح ، شاردة في اللامتناهي ، هائمة في سكونها بين تلال وجبال،في شمس وصقيع ورياح .
– ورزازات وطن ينمو في الحب جذورا وفي القلب عروقا،نهر لتاريخ منسي ومهمل لم تعره المسؤوليةصفاءه وبياضه،الماضي فيهاعند عشاقها لا زال افقا لصيقا بالمشاعر والاحاسيس والرؤى،شقيقا للحنين والذكريات والفداء.الانسان فيها ايام زمان ،يتطلع إلى الأفق فتحسبه يبالي لكنه في العمق والواقع لا يبالي،عنده المسافات تتشابه،والايام تتمايل وتتقاطع،كالساعات والدقائق،فهو مسافر سرمدي بطموحاته وآماله كاحلام غالبا ما تذوب في غياهب عوالم النسيان.
ورزازات حروف سبعة من إيحاء مبدع عظيم ،دلالاتها تتعالى وتتسامى ذات رمزية، لأبنائها/عشاقها حس يجمعهم بها،وفهم خاص لطبيعة أعماقها ف:
*الواو: فيها بداية الوئام كما التاء نهاية الكلام،هي وصال سرمدي بين شمس دافئة ربيعا ،حارقة صيفا،وبرد لاسع شتاء كعقاربها الحجرية الصفراء،الواو رمز الود والورود والبساطة في الوجود،أهلها والهون بها كالزوار والوافدين.
*الراء: في ورزازات تتنفس الرمال ،أرض تتطلع في حلولية إلى بعدها الخامس،تشرئب لليم البعيد والجبل القريب في اتجاه الثلج الأطلسي والأفق اللامتناهي، بقعة تراب تعانق القمرين وتتوحد في الدجى صمتا ومع الهدهد حكمة ومع الغراب حركة وصبرا وصوتا.
*الزاي: في حروفها زمان لكنه مدور بلون أرجواني،قطار يسير ولا يسير،الزاي زوار موسميون من بشر وكائنات وطيور،زوار، مأجورون ،موظفين… يظنون في البدء انهم عابرون إلا أن عبورهم غالبا ما يتحول عشقا وهياما ثم استقرارا،فالمتحول يصبح ثابتا والثابت لا يتحول إلا ناذرا
الزاي ،زمهرير تعانقه في الرحلة الورزازية عواصف عجاجية في كل المساءات ،حينئذ يدخل الكل الى غمده وتبحث كل ذات عن ذاتها، والثمالة تتعالى بسكرها وتتوحد في هذه الاجواء،أما الحمد والشكر فلكل اسلوبه وطريقته في الإفصاح عنه،دون ان يتلاوم الناس فيما بينهم. او يكفر بعضهم بعضا .
فالزاي في ورزازات زايان اثنان، متباعدان غير متعانقين،تكرارهما بالمد الالفي،تاكيد للوجود ،رغم التهميش فالمد إطالة وإسهاب في الإلحاح على رفض انسان هذا الفضاء لكل جزر واختزال لثقافة متنوعة امازيغية/عربية تجدرت وتلاقحت في تاريخ هذا الجنوب الرائع الجميل
*والالف في اعماق ذات الحروف السبعة ،بداية الامتداد والشموخ ،رمز لاستقامة ناسها،نخيل في السماء يتعانق تحبو تحت أقدامه اشجار التين والزيتون والورديات من مشمش ولوز وتفاح.فالانسان في ورزازات “ألف” تنمو امامه التلال
والجبال وتنبت خلفه الزهور بين الحجارة والرمال.
*التاء في فضائها مبسوطة لكنها غير منبسطة،بلاد انثى بتائها واخلاق ساكنتها،باسمها وتموجات منحدراتها ،بفروج بين حروفها، هي بصمتها معبد ناء في أرض مهجورة، أحضانها تستدفئ أيام زمان بحطب آت من قبيلة “إكرنان” حين كان البرد في الشتاء لاسعا تبعثه الثلوج البيضاء من الأطلس الكبير رسالة بلسمية لحرارة الصحراء الصيفية.
* في فضاء هذه الحروف المتناثرة كبنايات ورزازات وقعت أحداث وحكايات أبطالها شخصيات لكنها ليست كالشخصيات التي اهتمت بها الرسميات،أبطالها على صدورهم أوسمة من نور الذاكرة وعلى أكتافهم نجوم وحجارة تشع بحب الأبرياء وعشق أبناء ورزازات وتقدير رواد مقاهيها و”فنادقها”الحصيرية…هؤلاء الذين صنعوا حقيقة الوقائع والتاريخ ،هم أطفال،رجال،نساء،مجانين حكماء انفسهم،غرباء زمانهم /زماننا
الدار البيضاء 17 يناير 1999
ادريس البوكيلي الحسني