أنا إنسان مدونة تعنى بالقضايا الإنسانية
مذكرات مراكشية في الرباط
صادفته وهو يسرع الخطى دافعا عربته الصغيرة بعجلتها العرجاء وقد بدل النعناع و وضع مكانه بعض الملابس القديمة والقليل من الاواني المنزلية المستعملة، كان شاحبا يتصبب عرقاَ، يدفع تلك العربة مكرها وكأنه ينفذ حكما قضائيا بالنفاذ المعجل ، كان يخبرني دائما بتذمره من بيع النعناع الذي لا يجني منها الا القليل من الدراهم لا تكفي لسد كل حاجيات الاسرة. بعد التحية المعتادة بيننا سألته مازحة با عروب (هكذا اناديه واسمه الحقيقي العربي ) فين النعناع ياك ما بدلت الحرفة بالصح نيت ؟، صمت قليلا ، وكأنه يتهرب من الرد على السؤال سألني عن احوالي و العيد و مراكش و غيرها ، ومن نبرة صوته كان هناك شيء آخر فأعددت السؤال ياك لاباس؟ بعد إلحاح أجاب: لا مكاين باس يا بنتي عندي شي غرض غادي نقضيه، قالها بصوت حزين جدا ورأس مطأطأ الى الارض هو الذي كان يسرع لمناداتي بصوته العروبي القوي كلما رآني ولا يكف على تقليد كلام المراكشي ويضحك وكأنه سجل هدف النصر في مقابلة نهائية .لكن هذه المرة باعروب لا يضحك ولا يذكرني بأنه النعناع ليس هو “ليقامة” كما يقول أهل مراكش الكرام ،با عروب الذي يحكي لي كل مشاكله و يعلق على الاحداث السياسية و لا ينسى حتى النشرة الجوية ودائما ينهي الحديث بعزومة عيشك عيشك يا المراكشية أجي تغداي معنا شي نهارنضحكو شوية، ما به حزين ومهموم اليوم ؟ سألته با عروب ياك شي باس ما كاين. بعد اصراري ، أجاب : خليها على الله يا بنتي ما عندي ما نخبي عليك غادي نبيع هاد الحويجات باش نعاون على الكتب ديال الدراري . قالها و دموعه محبوسة بعنف في عينه. شخصيا لا احب الدموع في عيون من أحبهم و ليست لي القدرة على مشاهدة دموع الإباء و احساسهم بالعجز و الضياع وضيق ذات اليد. واكيد هناك الكثير من باعروب يعانون في صمت هذه الأيام و دولتنا المبجلة التي تقوم بالإحصاء و تعد الصغير و الكبير و حتى الذي لم يولد بعد ، تعرف عبر تلك الاسئلة المرصوصة بدقة في استماراتها اثناء كل عملية إحصاء تعرف كل صغيرة وكبيرة عن أحوال هذا الشعب ، وتعلم علم اليقين عدد من يعيشون تحت عتبة الفقر و هم مطالبون بتعليم اولادهم وان التعليم اجباري و ان دستور هذه البلاد السعيدة يكفل التعليم لكل لأبنائه فكيف لا يفكرون في تخصيص صندوق يسمونه اسودا او أي لون شاءوا لمساعدة الفقراء اثناء الطوارئ وليس اليوم طارئا اكبر من تكلفة الدخول المدرسي ؟
أم ان تقاعد البرلمانيين والوزراء افضل من تخصيص وقت لفقراء هذه البلاد؟
كيف يمكننا زرع حب الوطن في أولاد هذا الشعب و هم يرون دموع ابائهم تسيل من أجل دفتر مدرسي ؟ سألة حارقة و غضب يهيج داخلي مما نعيشه وما يعيشه امثالنا من فقراء هذا الوطن
بعد حديث طويل ضحك با عروب أخيرا و قال لي المراكشية الى كانت القراية فيها البغرير و الحرشة غادي نرسل ليك البنات علمهم حتى الطنجية .
#أنا_إنسان
سعيدة بنت العياشي
