أخرج فجراً و أتقاسم قطعة البلاسيتك مع دفاتري ..
وهو قادم في اتجاهي لم تستطع ابتسامته أن تخفي كل ذلك الكم الهائل من الانزعاج البادي عليه، أخذ كرسيا وجلس، وبدون مقدمات قال : هل تعرفين أن حمادي ديالك لا يعرف شيئا، وأنه بعيد بعد السماء من الأرض عن واقعنا؟ ولو كان على علم ولو بالقليل من معاناتنا لما فكر قطعا في قرار الاستمرار في الساعة المشؤومة..
آه، فهمت الموضوع ، هكذا قلت في نفسي و أنا أتابع باهتمام بقيت كلامه ..” هذا الذي ترينه أمامك الان خبر عن قرب ماذا يعني الخروج في الصباح الباكر من البيت و التوجه الى المدرسة لاسيما في أيام الشتاء الباردة لم نكن نملك شيئا يحمينا من قساوة البرد. كلما هممت بالخروج من البيت فجر كل يوم كانت أمي تضع قطعة بلاسيتك على رأسي وتثبتها بإحكام وتضع قطعة أخرى على ظهري حتى لا أتبلل.. نخرج بأجسادنا الصغيرة والظلام مازال يخيم على القرية، كان عمري 7 سنوات ،. محكوم علينا تحدي الخوف والظلام و قساوة الطبيعة و ما تخفيه كل الظروف من مفاجآت ، لا نملك شيئا سوى ايماننا بقطع كل تلك الطريق والوصول الى المدرسة التي تبعد بكلومترات عن البيت، ولا نعرف لماذا تم بناؤها بعيدة جدا عن القرية.. كنت أحضن محفظتي وأتقاسم معها قطعة البلاستيك الصغيرة خوفا على دفاتري من البلل، فالمطر الغزير والثلج أحيانا يكونان قاسيان جدا علينا.. وحتى اختصر المسافة كنت أمر بين الحقول، لا اسمع سوى ضربات المطر فوق رأسي و نباح الكلاب القادمة من الحضائر القريبة. يشعرني نباحها بالخوف حينا والاطمئنان أحيانا أخرى اني لست وحيدا، تتحول تلك الحقول بفعل الامطار الى مساحة شاعة من الطين المبلل .. يصبح المرور وسطها صعبا لاسيما مع أرجل شبه حافية لأن الحذاء البلاستيكي الذي ألبسه يمتلأ بالطين ويصبح ثقيلا و أتمنى لو أرميه وأكمل السير حافيا يكون احسن.. لكن في عمرنا الصغير تعلمنا اننا لا نملك سوى الصبر.. لأصل الى المدرسة و انا متعب و خائف و ارتجف ، يداي و رجلاي متجمدة واقضي كل حصتي الصباحية وانا ارتعش من البرد ..
ولأني لا يمكنني الرجوع وقت الغداء الى البيت لطول المسافة ، كانت أمي تلف لي قطعة خبز حاف وأحيانا تضع فيه بعض من المرق المتبقي من العشاء تلفه بعناية خاصة بالورق الأزرق للسكر وتملأ لي قنينة زجاجية بالشاي.. ولا بد ان احكي لك عن تلك القنينة التي توضع مع الخبر وسط الدفاتر.. مرة وانا اقطع الحقول لم اعرف كيف انزلقت تلك الزجاجة بشايها من ثقب اسفل المحفظة.. لم انتبه في وقتها إلا حين اردت اخراج ادواتي فلاحظت ان القنينة الصغيرة ليست في مكانها و واكتشفت الثقب الملعون، يومها لم اركز على ما قاله المعلم فقط كان عقلي مع القنينة المختفية و اني سأكتفي بالخبز الجاف كغداء لي ، و في العودة حاولت ان اسلك نفس الطريق الذي قطعته في الصباح لعلي اعثر على القنينة لكن دون جدوى ..
أخبري حمادي عن المقبرة و السفر نحو المجهول ..
يتبع
سعيدة بنت العياشي