بقلم سعيدة بنت العياشي
الكثير منا لا يعرف ماذا يعني مرض الزهايمر،والبعض حوله الى نكت مضحكة على من نسي شيئا او موعدا ليتردد على الفور: “واش انت فيك الزهايمر .؟” حين استفزتني تدوينة احد الاصدقاء رديت عليه ان الامر اكبر من نكتة انه معاناة ، لم يعرف ماذا اقصد فاعترف ان لا علم له بالزهايمر و أن كل ما يعرفه عن هذا المرض هو اخبار عن اصابة اشخاص فقدوا ذاكرتهم او بعض النكت التي يرددها مع أصدقائه، لكن لأول مرة يعرف أنه فعلا مرض خطير بعد قراءة تدوينة في الموضوع.. وطلب مني الكتابة بتفصيل اكثر لتعم الفائدة .. وعن تجربة شخصية لمدة سنوات اعترف انه يصعب الكتابة في الموضوع لقساوة المعاناة ولكن لابد من الكلام ولو قليلا ..لتعيم الفائدة وحتى يفهم الجميع ان حتى النكت على المرض هي قسوة في حد ذاتها لأنها قد تذكر مرافقي المرضى -وانا واحدة منهم- بتجربة انسانية صعبة جداً.
لا تجعلوه نكتا لأنه مرض فضيع ..
لا استطيع الكتابة في هذا الموضوع كثيرا لارتباطه الوجداني ، ولأنه يقلب علي المواجع ، و أجد صعوبة حتى في اطار عمل جمعوي متخصص خاص بتسجيل شهادات مصورة من أجل الدعم النفسي للمحيطين بمريض بالزهايمر، لكن الكتابة باستمرار في هذا الموضوع صعب جدا لما لهذا المرض من تأثير نفسي ومعاناة على المحطين بالمريض بشكل أكثر إيلاما.
احيانا كثيرة أشعر بالكثير من الغضب حين يردد أحدهم نكتا عن مريض نسى شئا هاما فيتم الضحك منه دون ان يسأل احد كيف يمكن لشخص ان يفقذ ذاكرته و لا يعرف ما يفعله بخلايا الدماغ من دمار شبح مرعب اسمه الزهايمر.
عشت ازيد من 5 سنوات بكل لياليها الباردة والقاسية وانا اراقب كيف يكون الزهايمر، وما يفعله في الانسان ، و كيف يتحول انسان جميل و لطيف و غاية في الرقة و الحنان الى انسان آخر ، قد يكون عنيفاـ قد يحاول إيذاء نفسه وهو لا يدري ، انسان قد يشعر بالخوف ويحتاج اليك لتحميه ، يحتاج الى ان يراك امامه حتى يطمئن أنه في أمان ، لا يمكنك النوم ، و لا يمكنك التذمر، واكثر من ذلك لا يمكنك المرض ،أة الاحساس بالتعب لا يمكنك الغياب او السفر ، او ان تفكر في نفسك ، فقط عندك مهمة زاحدة و وحيدة وهي العناية بإنسان كان في حال و صار في حال آخر، عليك ان تبقَ بكل قواك لتعتني به و لتشعره انه مازال كما كان من قبل.. لم يتلف المرض خلايا دماغه و لم يعبث بكل شيء فيه. حتى أصبح المريض يعيش عالمه الخاص الذي لا يعرف تفاصيله غيره. بل يحاول كل مرة اقحامك في أجوائه حين يحكي اويبكي ..او حين يريد الخروج للقاء شخص لم تسمع عنه ابدا ، ربما بقي ذاك الشخص مختبأ في ركن من اركان الذاكرة..
يا صديقي : أليس أكثر ألما ان تتساءل مع نفسك ، تراه هل مازال يعرفني؟ أليس صعبا ألا يعرفك من هو اقرب انسان إليك ؟
كانت أصعب لحظة اعيشها في حياتي حين قررت ان أسألها هل مازالت تعرفني وحبست أنفاسي في انتظار الجواب : سألتها من أكون ..صدمني الجواب لقوته و لما يمكن ان يشعر به مريض من حب وطمأنينة حين قالت: انت ماما .. قالتها بكل الحب وهي تضغط على يدي، حبست دمعاتي و قلت لها مبتسمة وانت من تكونين بالنسبة لي : قالت انا ابنتك .. انها امي … تشعر بالاطمئنان لأنها تعتقد أني أمها التي تعتني بها . أموت ألف مرة حين تقول لي قبل ان تفقد القدرة على الكلام : انت ماما .. يااااااااااااااااااه ما أقسى هذه الحياة و ما أقسى هذا المرض ..
هل احسست لماذا لا يمكن الضحك بنكت سخيفة عن معاناة لم يشعر بها الا من له علاقة بمصاب بهذا المرض ؟
يا صديقي : عندما انظر كل صباح الى المرآة اشاهد تلك الهالات السود تحت عيوني و ابتسم،لا تزعجني تلك الهالات لأنها تؤكد لي أن عندما كانت كل العيون نائمة كانت عيوني سهرانة تراقب امي ..
وللآن لا انام إلا قليلا لأني تعودت على ذلك ..
انه الزهايمر ،، أنه مدمر رجاء لا تجعلوه نكتا لأنه يؤلمنا كثيرا ..
شاهد أيضاً
عودي إلي فهناك قلب سيضمك العمر كله
سعيدة بنت العياشي كانت علاقتهما حديث الحي كله ، يعلم بها الكبير والصغير ، بل …
طوفان الأقصى والحرب الانتقامية في غزة
سعيدة بنت العياشي كانت إسرائيل تصور نفسها على أنها الدولة القوية الأكثر تنظيما و الأكثر …
عروسان تحت الركام في زلزال الحوز
مأساة حقيقية انكشفت اثناء جهود الإنقاذ والمساعدة خلال اللحظات الأولى التي أعقبت الزلزال المدمر الذي …
بين ركام زلزال الحوز قصص إنسانية جد مؤثرة
في أحد أيام الخريف من العام الماضي… كنت أقود خلوة روحانية في ويركان في الأطلس …
زئير لبؤات الأطلس انتصار ضد كوريا… أم انتصار ضد التنمر
بقلم.سومية منصف حجي إن المتتبع لكرة القدم بالمغرب يدرك جليا أن ممارستها من طرف الفتيات …