الرئيسية / إنسان وراء الشمس / بعد سنوات من الاعتقال اعترف: اختي راه تصيدنا

بعد سنوات من الاعتقال اعترف: اختي راه تصيدنا

بقلم سعيدة بنت العياشي 

لم أعد اذكر اسمه، ولا شكله فقد مرت سنوات طوال على لقائي به. فحيث تكون المعاناة قاسية و تكون الحرية مسلوبة ، نتخلى عن كل اختلاف ، لنعانق المشترك بيننا وليس هناك أسمى من أن تكون إنساناً بكل ما تحمله هذه الكلمة من المعاني لتسمو الإنسانية فينا فوق أي انتماء وأي اختيار لتذكرنا أننا إنسان قبل كل شيء.
ذات يوم كنت في زيارة المعتقلين السياسيين مجموعة 28 من أزرو .كان هناك شاب نحيف يقف في إحدى الزوايا ، لا يتكلم فقط يشاهد ، تكرر ذلك عدة مرات ، الشيء الذي دفعني لسؤال أحد الرفاق من يكون ذاك الشاب ، فكان الجواب انه احد المعتقلين الاسلاميين. كانت احداث يناير 84 قد عرفت اعتقال عدد كبير من الطلبة من مختلف التوجهات ، فالمطالب الاجتماعية وحدت الجميع فكانت العقوبات الحبسية قاسية جدا ، اعتقالات وتعذيب و اضراب عن الطعام وشهداء سقطوا تحت سياط الجلادين نذكر منهم هنا الشهيدين مصطفى بلهواري و بوبكر الدريدي من مدينة مراكش.
في يوم و بعد انتهاء زيارتي ودعت رفاقي وكنت على وشك مغادرة ذلك المكان الكئيب ، حين سمعت الشاب يناديني : الاخت ، الاخت . التفت إليه : نعم . قال : واحد الدقيقة اختى عفاك . اقتربت منه وقلت له نعم خويا ، ما الامر؟ . الله يسمح لي ، بما اني عرفت توجهه و مع من اعتقل ـ وطريقة مراقبته لكل الحديث الذي يدور بيني و بين الرفاق، كنت اعتقد انه سيكلمني عن الحلال و الحرام و الاختلاط والتبرج و رفع الصوت لاسيما و ان قهقهتي احيانا تسمع من خارج المزار ، قبل الاستماع اليه كانت لي احكام مسبقة فقد خبرت الطلبة الاسلاميين في الجامعة و شعاراتهم بالرغم من عددهم في تلك الفترة .
قال: اسمحي لي اختي، من الزيارة السابقة حاولت التكلم معك ولم استطع. (قلت مع نفسي: جيد مقدمة لابأس بها ،) ودفعني للحديث معك علاقتك الطيبة مع الاخوان( ويقصد رفاقي) وكيف تتعاملين معهم. قاطعته: نعم يا خويا تكلم بدون مقدمات الله يفك اسر الجميع .فقد كنت مستعجلة حتى لا افوت موعد الحافلة التي ستحملني الى مراكش مساء ذاك اليوم.
قال اختي عندي طلب الله يرحم الوالدين اسمحي لي بزاف والله حتى حشمت نقولها ليك ولكن انت بحال اختي و الاخوان يشكرونك كثيرا . قاطعته :خويا لا مشكلة تكلم .، قال: انا لا يزورني احد فعائلتي فقيرة وتقطن في مكان بعيد و لا يمكنها المجيء ، اضافة.. لا ادري كيف سألته: و الذين اعتقلت بسببهم أين هم  ؟.
سكت قليلا و قد حبس انفاسه و ربما خجل من دموعه امامي قال : اختي راه تصيدنا، انا محكوم ب 8 سنوات. قال لي احدهم قبل المحاكمة لا تتكلم ولا تحكي اي شيء و سنبقى معك ، الان ليس معي احد سوى الله .قاطعته: وانا أحاول التخفيف عنه : خويا لي عطا الله عطاه علاش عيطتي علي ؟
قال : اختي في الزيارة القادمة عفاك جيبي لي صندالة ديال الميكة بغيتها للوضوء.
صراحة حبست دموعي ولحد الساعة أحبسها كلما تذكرت الحادث. لم أتوقع هذا الطلب الغريب ، ولم أتوقع ان تختزل مطالب شاب محكوم بسنوات طوال منسي و وحيد في سجن في شيء بسيط جدا. اكيد ان هذا الشاب لم يكن حالة فريدة لأن المعاناة تزداد قساوة عندما تشعر انك فعلا “تصيدتِ” وحين تضيع الأحلام بين الخطابات و الشعارات و الوعود بالعيش في جنة على وجه الارض قبل تلك في الاخرة. ليكتشف المرء انه في جهنم وبئس الاختيار.
طلبت منه اي ينتظر هناك فقد تحررت زيارتي قليلا من قيود مراقبة الحراس الذين اصبحوا اكثر تفهما بعد ان خاض المعتقلون سلسلة من النضالات وصلت الى الاضراب عن الطعام.
قرب السجن كانت هناك دكاكين اخذت منها بعض الاشياء و طلبت من احد الحراس ايصالها الى الاخ. و اذكر أني طلبت من الرفاق في زيارة أخرى الاهتمام به و هو ما كان فعلا لأننا إن كنا نؤمن بحقوق وكرامة الانسان فيعني ذلك كل الانسان أينما كان وكيفما كان انتماؤه شريطة ألا يكون مع من يسلب حق الحياة للآخرين.
سعيدةبنت العياشي
#انا_إنسان

شاهد أيضاً

طوفان الافصى

طوفان الأقصى والحرب الانتقامية في غزة

سعيدة بنت العياشي كانت إسرائيل تصور نفسها على أنها الدولة القوية  الأكثر تنظيما و الأكثر …

عروسان تحت الركام في زلزال الحوز

مأساة حقيقية انكشفت اثناء جهود الإنقاذ والمساعدة خلال اللحظات الأولى التي أعقبت الزلزال المدمر الذي …

بين ركام زلزال الحوز قصص إنسانية جد مؤثرة

في أحد أيام الخريف من العام الماضي… كنت أقود خلوة روحانية في ويركان في الأطلس …

زئير لبؤات الأطلس انتصار ضد كوريا… أم انتصار ضد التنمر

بقلم.سومية منصف حجي إن المتتبع لكرة القدم بالمغرب يدرك جليا أن ممارستها من طرف الفتيات …

الطفلة مريم ضحية الاغتصاب والإجهاض السري

اهتز الرأي العام الوطني لفاجعة وفاة الطفلة  مريم ذات 14 ربيعا  اثر تعرضها الى محاولة …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.