الرئيسية / إنسان وراء الشمس / بوزيان المناضل الحقيقي في زمن البؤس السياسي

بوزيان المناضل الحقيقي في زمن البؤس السياسي

سعيدة بنت العياشي

رفيقي العزيز بوزيان اشعر بحسرة كبيرة في هذه اللحظات لاننا لم نستطع كتابة كل مذكراتك فقد جاءت كورونا اللعينة بحجرها الصحي وإجراءاتها المتعددة ، إضافة الى تدهور حالتك الصحية ، و مع ذلك رفيقي العزيز سأنشر ما اتوفر عليه بشخوصه و احداثه في الوقت المناسب حفظا للذاكرة و حتى لا ننسى جزءا هاما من تاريخ نضالي كنت مشاركا فعالا فيه..


 

أتذكر رفيقي العزيز بوزيان ، حين كنت ازروكم في السجن أواسط الثمانينات حين كنتَ ورفاق اخرون تؤدون ضريبة الدفاع عن الحرية والكرامة ، كنت انا تلك الفتاة المراكشية المناضلةو المشاغبة والتي تملأ المزار بالضحك و الشغب الجميل لم يرعبني لا سجن وسجان، و لم تتعبني طيلة تلك السنوات مسافات السفر من مراكش الى سجن مكناس كان تضامنا لا مشروطا و كنت أحاول بطريقتي بعث روح إيجابية لعلها تخفف عنكم يوميات السجن القاسية . فاطلقت علي لقب مراكش فون ..قلت لي مرة مازحا :  واش انت يا المراكشية  ديما كتضحكي بغيت غير نشوفك شي نهار مقلقة ..

والان يا رفيقي العزيز ها انت تراني..  أنا حزينة جدا  يا بوزيان وأتمنى ألا تخونني دموعي و انا اسرق لحظات من ذكراك ..
حين ودعتك آخر مرة  قلت لك: بوزيان انا ذاهبة الان وسأعود مرة اخرى.. لا تنس أننا معك قاوم قاوم يا بوزيان فمازلنا بحاجة اليك .. تأكد ان كل الرفاق معك .. قلت لي بصوت خافت اعرف اعرف .. لكنك لم تكن تعرف انه اللقاء الأخير.. والكلمات الأخيرة التي سأسمعها منك فعبد  3 أيام نزل علينا خبر كالصاعقة..
سألتهم هل تألم كثيرا .. قالوا لي لا لم يتألم .كان في تلك الغرفة اللعينة لتصفية الدم حين فتح عيناه فجأة و اغلقهما  ونام . لا لم ينم بل مات
مات بوزيان
ها انت تراني يا رفيقي نبكي غيابك يا بوزيان لأننا ننتمي لأسرة واحدة كبيرة ممتدة على طول خريطة الوطن ..
نبكيك يا بوزيان  لأن بيتنا الكبير فقد واحدا من رجاله الابرار، الصادقين ، الملتزمين ، المخلصين لقضايا الوطن والشعب ،
نبكيك لأننا فقدنا رفيقا رائعا ومناضلا استثنائيا ،
نبكيك يا بوزيان لأنك  كنت صافيا وصادقا  في زمن سياسي بئيس عاج بالمتحورين ومن تفوقوا الحرباء في التلون
 نبكيك لأننا ننتمي لتلك الاسرة التي اخلصت اليها  الى أخر بنض فيك وهي  أسرة حزب التقدم و الاشتراكية
نبكيك فقد تعاهدنا على السير معا على درب النضال الطويل العسير
تعاهدنا على الإخلاص لقضايا وطننا
تعاهدنا على الدفاع عن الكرامة والحرية و العدالة الاجتماعية
تعاهدنا على النضال من اجل حقوق الانسان وحق كل مواطن في حياة كريمة
تعاهدنا على النضال من اجل وطن حر وشعب سعيد
أليس هذا هو نشيدنا المشتهى رفيقي العزيز ؟
فلماذا رحلت و طريقنا مازال طويلا ؟
 فلماذا رحلت و مازال الطريق عسيرا ..
لماذا رحلت و مازلنا بحاجة اليك  الى افكارك و آرائك .. الى احتجاجك الجميل وانت تقلب الطاولة إذا لم يتم التطرق الى مواضيع تهم الكادحين.
نبكيك لأننا فقدنا واحد من القابضين على الجمر ، المخلصين للمبادئ في زمن الانحطاط السياسي .
نبكيك لأننا فقدنا مناضلا من اولائك  الاوفياء الذين ما بدلوا تبديلا  
ابكيك يا رفيقي لأني فقدت رفيقا رائعا و اخا لم تلده امي      

تعرف جيدا يا بوزيان ان الموت كان قاسيا معنا فقدنا رفاقا في السنوات الأخيرة تألمنا كثيرا لفراقهم لأرواحهم السكينة و السلام ، وتعرف ان الموت كان قاسيا جدا معي فقدت كل عائلتي واحدا تلو الاخر بكيت غيابهم بحرقة حتى جفت العيون.  وكنت يا بوزيان تتصل كل مرة لتسأل عني وتواسيني.. لن اسنى لك ذلك يوما.. اذكر ان بصرك ضعف و لم تعد تستطع   رؤية الأرقام و الاسماء على الهاتف.. كان ذلك صعبا عليك ، لكن في احدى اتصالاتي  اخبرتني انك ستقوم بعملية جراحية على مستوى العين ستمكنك من استعادة البصر ولو قليلا..  وبعد مدة اتصلت بي كنت سعيدا لأنك تمكنت من استعادة تواصلك مع برفاقك . كان الهاتف هو وسيلتك بعد ان اشتد عليك المرض و فقدت القدرة على التحرك ..
 اذكر يا بوزيان مرة اتصلت بي و أثناء الحديث سألتك عن موعد تصفية الدم قلت لي ضاحكا الموعد اليوم و انا الان أقوم بها. كنت مشدودا الى تلك الاسلاك والآلات حين نسيت آلامك واتصلت بي لتطمئن علي.. يا الله.. فمن غيرك يفعل هذا يا بوزيان؟
أطلقوا عليك لقب ستالين لصرامتك وعدم تساهلك مع أي نوع من الزيغ على المبادئ . لكنهم لا يعلمون ان وراء تلك الصرامة قلب انسان يتألم لأحزان الاخرين ويخفق مبتهجا لأفراحهم.

في آخر لقاء بيننا ،، ورغم صعوبتك في الكلام  أخبرتني بآخر أسرارك وقلت لي بصوت خافت حتى لا تسمع والدتك
سعاد انا راه كنموت
سلمي على الرفاق و قولي ليهم انا راه مسخيتش بهم .
بوزيان لم يمت بوزيان سيبقى  شامخا بيننا
 فقد تعاهدنا على الصمود وألا نركع فإما ننتصر لقضايا شعبنا  او نموت كالأشجار واقفين .

شاهد أيضاً

عودي إلي فهناك قلب سيضمك العمر كله 

سعيدة بنت العياشي كانت علاقتهما حديث الحي كله ، يعلم بها الكبير والصغير ، بل …

طوفان الافصى

طوفان الأقصى والحرب الانتقامية في غزة

سعيدة بنت العياشي كانت إسرائيل تصور نفسها على أنها الدولة القوية  الأكثر تنظيما و الأكثر …

عروسان تحت الركام في زلزال الحوز

مأساة حقيقية انكشفت اثناء جهود الإنقاذ والمساعدة خلال اللحظات الأولى التي أعقبت الزلزال المدمر الذي …

بين ركام زلزال الحوز قصص إنسانية جد مؤثرة

في أحد أيام الخريف من العام الماضي… كنت أقود خلوة روحانية في ويركان في الأطلس …

زئير لبؤات الأطلس انتصار ضد كوريا… أم انتصار ضد التنمر

بقلم.سومية منصف حجي إن المتتبع لكرة القدم بالمغرب يدرك جليا أن ممارستها من طرف الفتيات …