بقلم: فتح الله ولعلو
في هذه الشهادة، أود أن أعود إلى سياق السنوات الأولى عندما تعرفت، في سنة 1961، على المرحوم سي عزيز بلال، “الله يرحمو”. كان أستاذا في كليتي الحقوق في الرباط والدار البيضاء. كان يدرس مادة التخطيط الاقتصادي، وفي الوقت ذاته، كان نائب العميد. كنت أحد طلابه. لقد كان أستاذا محبوبا و لطيفا و دمث الأخلاق، وصلبا. كنا ندرك ذلك منذ البداية.
كان قد غادر لتوه إدارة التخطيط. كان من بين الذين صاغوا المخطط الخماسي 1960-1964 عندما كان المرحوم عبد الرحيم بوعبيد وزيرا للاقتصاد والمالية ” في حكومة عبد الله إبراهيم”.
في ذلك الوقت ، وبشكل مرح، كان عزيز بلال يسمي هذا المخطط الخماسي، ، بـ “الأزرق” ، في إحالة على اللون الأزرق لغلاف هذه الوثيقة …
على الصعيد السياسي ، كان عزيز بلال قياديا في الحزب الشيوعي المغربي. يمثل اليسار الشيوعي في المغرب.
في ذلك الوقت، حضرت إحدى أولى محاضراته في قاعة وزارة الثقافة الحالية التي كانت في ذلك الوقت تابعة لغرفة التجارة. ركزت المحاضرة على موضوع المؤتمر العشرين للحزب الشيوعي السوفيتي. كان الاتحاد السوفياتي، في ذلك الوقت، يفرض نفسه عالميا بعد إرسال سبوتنيك و “دخول مرحلة ما بعد السطالينية” … حضرت هذه المحاضرة، وكنت، حينذاك، مناضلا بالاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية ، اليسار الآخر ، حركة التحرير الوطني.
كانت لدي تحفظات على النظام السوفيتي.
كان سي عزيز، في ذلك الوقت، يناضل على جبهتين:
• الجبهة الأكاديمية والجامعية والمتعلقة بالأبحاث
• جبهة النضال داخل الحزب ولكن أيضا في النقابة الوطنية للتعليم العالي.
كان مقربا جدًا منا، ورفيق الدرب في الاتحاد الوطني لطلبة المغرب . كان يُطلب منه دائما حضور ندواتنا الخاصة بتدريب الأطر والتي كانت تعقد خلال الصيف أو خلال العطل.
كان يفرض نفسه على الجميع بتواضعه وبعلمه الغزير أساسا.
في سنة 1963، كنت عضوا في اللجنة التنفيذية للاتحاد الوطني لطلبة المغرب الذي اقترحت علي تمثيلها في اجتماع لنادي عمر بن الخطاب. كان هذا النادي يضم أعضاء لا يتجاوز عددهم العشرة أعضاء، منهم أطر وخبراء من اليسار المغربي يعقدون اجتماعاتهم عند سي محمد لحبابي.
كان هناك سي محمد لحبابي ، وسي عزيز بلال ، … وأبراهام السرفاتي ، وسي محمد طاهري ، وبن عبد الرازق … كنت أصغر سنا . وبالتالي، لم لم أمن أجرؤ على التدخل ، لأنني كنت أتعلم منهم من خلال متابعة النقاش داخل هذا النادي.
كنا نلتقي مرة واحدة في الأسبوع. وكانت الاجتماعات تخصص الاجتماعات تخصص لدراسة الدعم التقني داخل الإدارة المغربية. في تلك المرحلة، كانت مغربة الإدارة على رأس جدول الأعمال. كنا نبحث عن كيفية تعويض الأطر الفرنسية بنظيراتها المغربية.
كانت المغربة، إلى جانب التنمية الاقتصادية، من الأسئلة المطروحة في مرحلة ما بعد استقلال المغرب.
كان هؤلاء الخبراء يفكرون في هذا السؤال. في هذه اللقاءات اكتشفت شخصية سي عزيز وعمق نهجه ورباطة جأشه ووطنيته بطبيعة الحال.
في سنة1965 كنت طالبا في باريس. جاء عزيز بلال إلى غرونوبل لمناقشة أطروحة دكتوراه حول الاستثمار في المغرب من سنة 1912 إلى سنة 1964. وهو عنوان رصين لكن الأطروحة كانت جد غنية، لدرجة أنها ستصبح مرجعا لكل دارس لتاريخ السياسة الاقتصادية المغربية في فترة الحماية وبداية استقلال المغرب.
سي عزيز بلال كان أول مغربي يحصل على شهادة الدكتوراة في الاقتصاد. وكان ذلك بالنسبة لنا، نحن ، طلابه ، مصدر فخر واعتزاز.
في سنة 1965، ظل متواجدا في الساحة السياسية، ملتزما بالمشاركة الفاعلة، وحاضرا بقوة على الساحة الجامعة والبحث العلمي .
وفي سنة 1968، سأتعرف عليه كأحد مؤسسي” النشرة الاقتصادية والاجتماعية”، وهي مجلة خاصة بالأبحاث،أنشأها أطر فرنسيون في عشرينيات القرن الماضي. وستتم “مغربتها ” في سنتي 1967-1968. كنت عضوا في هيئة تحرير هذه المجلة ، ما سمح لي بفرص لقاء السرفاتي والخطيبي وآخرين.
في هذه المجلة، يمكن العثور على الكثير من أبحاث وكتابات عزيز بلال.
كنت مدرسًا شابًا في الكلية سنة 1968 ، وكانت محاضرات بلال حول المشكلات الهيكلية الكثير من الطلبة.
من خلال مقاربته التقدمية ، وخاصة عبر دروسه الغنية والمتميزة ، يمكنك أن تدرك أن عزيز بلال كان لامعًا.
وخلال سنتي 1968و1969 سنصبح أصدقاء
إلى جانب التزامه السياسي وبموازاة مع واجباته تجاه حزبه ، كان لسي عزيز بلال عالمه الخاص ، عالم أصدقائه.
كنا فخورين بأن نكون ضمن هذا العالم الخاص به. فهو أولا أستاذنا، وثانيا يتمتع بحس رفيع وبواجبات تجاه أصدقائه، منها احترام الصديق والولاء ومقاسمة بهجة الحياة.
على المستوى الأيديولوجي، ناقشنا العديد من الأسئلة بعد تدخل الاتحاد السوفياتي في تشيكوسلوفاكيا، والثورة الثقافية، والصراع الصيني السوفياتي … كانت هذه النقاشات مفيدة جدا لنا.
بالإضافة إلى ذلك ، تابعت بتعاطف واهتمام كبيرين ما أسميه “الانتقال الفكري لعزيز بلال” ، والذي تميز بشكل أساسي بظهور كتابه الصغير ولكنه كتاب مهم ، عن العوامل غير الاقتصادية للتنمية ، والتي لا تقتصر على التطوير الوحيد للبنية التحتية والمادية والاقتصاد ولكنه أيضًا مرتبط بالثقافة والبنية الفوقية.
لم يكن سي عزيز متعصبا. كان منفتحًا جدًا. كان يناضل من أجل اتحاد التقدميين والوطنيين.
في هذا الوقت، كان من المقرر أن يلعب حدثان دورا مهما في تطوره السياسي والفكري.
الحدث الأول يتعلق باستعادة الصحراء بعد المسيرة الخضراء. كان متحمسا جدا. في هذا السياق، كان من دواعي سروري أن أرافقه في رحلة إلى بودابست لحضور المؤتمر العالمي للاقتصاديين. انتهزنا الفرصة للدفاع عن مغربية الصحراء.
الحدث الثاني كان انفتاح المغرب على مزيد من التعددية والديمقراطية.
وفي هذا الإطار، انتخب عام 1976 عضوا في مجلس سيدي بلوط الذي كان يرأسه المرحوم مصطفى القرشاوي. تم انتخابه نائبا أول لرئيس هذا المجلس، وذلك في إطار العمل المشترك بين الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية وحزب التقدم والاشتراكية.
وفي هذا السياق أيضا، ذهب بلال في هذه الرحلة إلى شيكاغو مع وفد مغربي منتخب لتوقيع اتفاقية توأمة بين الدار البيضاء و شيكاغو. حصل على التأشيرة على الرغم من منع الولايات المتحدة الأمريكية الشيوعيين دخول ترابها.
لسوء الحظ، حدثت هذه الوفاة المأساوية.
لقد كانت صدمة كبيرة بالنسبة لي شخصيا ولجميع أصدقائه وطلابه وخسارة كبيرة لبلدنا.
كان سي عزيز يتمتع بصفات أهل الشرق، صفات الصرامة، واللطف، والكرم، والوطنية. كان يترجم كل هذه الصفات بشكل صريح.
كل هذه الاعتبارات تجعلني أداوم سنويا على التفكير فيه. ومرة أخرى، أقول إن عزيز بلال رجل يجب ألا يطويه النسيان .
المصدر بيان اليوم