جواد مديدش
بعد أسبوع واحد فقط عن ترحيلنا إلى السجن المدني (غبيلة) بالدار البيضاء بعد ثمانية أشهر أمضيناها معتقلين في درب مولاي الشريف، تلقيت زيارة من المحامي الخاص بي. كان ذلك في شتنبر 1975. في المزار الذي وُضعت فيه، سمعت صرير باب يفتح ورجل يظهر. لم أكن أعرف عبد الرحيم برادة بعد، لكني سمعت عنه. من نصحه بالمجيء والدفاع عني؟ حتى اليوم (ديسمبر 2022)، لا أعرف. على كل حال، الرجل الجالس أمامي لم يلهمني الكثير من الثقة، حتى أنه أرهبني قليلاً بنظرته المباشرة ووجهه الذي لم يظهر أدنى ابتسامة. ربما وقوف حارس السجن بدون حراك خلف الباب يراقب من خلال كوة الباب كلماتنا وأفعالنا وحركاتنا، هو ما منعه من أن يكون في وضع أكثر راحة، وأكثر ابتسامة، وأقل توترا. ما زلت أتذكر سؤالين طرحهما علي: هل تتم معاملتك بشكل جيد في هذا السجن؟ هل سمعت أثناء استنطاق الشرطة بدرب مولاي الشريف عن معتقل يدعى البقالي يُزعم أنه توفي تحت التعذيب؟ أجبت أن اسم البقالي لا يعني شيئًا بالنسبة لي، والشخص الوحيد الذي أعرف أنه قضى تحت التعذيب هو عبد اللطيف زروال.
افترقنا بعد ربع ساعة.
هذه المقابلة، القاتمة إلى حد ما في هكذا مزار أكثر قتامة، كانت أول اتصال لي مع رجل تمكنت من التعرف عليه مع مر السنين، منذ ما يقرب من نصف قرن: مهذب، إنساني، ذكي، مستقيم، مثقف، مع قناعات راسخة لا تنازل عنها. إصراره على الدفاع عن أفكاره وقناعاته، على حساب مصالحه الشخصية والعائلية، لم يكن يخلو من إزعاج وامتعاض بعض الأعزاء على قلبه.
عبد الرحيم هو كذلك، يقبل كله أو يترك كله. جدالاته الشجاعة مع أفزاز، رئيس المحكمة التي حاكمتنا، كانت لحظات قوية ومضيئة، محفورة في الذاكرة الجماعية للسجناء قاعات المحكمة. هاتف تحت التنصت، وجواز سفر مصادر، وترهيب وتهديدات من شأنها أن تثبط أي واحد، ولا شيء يهز عزيمة الأستاذ برادة.
صعقته الأحكام الثقيلة التي صدرت في حقنا. بعينين حمراوين من فرط الدموع، اقترب مني، وربت على كتفي بيد مرتجفة، وهمس بصوت مؤثر: “كوراج”. كانت الساعة السادسة صباحًا من أحد أيام شهر فبراير 1977.
في تمام الساعة العاشرة صباحًا من نفس اليوم، تم اقتيادي إلى نفس المزار، فكانت الزيارة الأقل توقعا بالنسبة لي. ماذا يريد هذا الرجل، قلت لنفسي، وأنا أعبر ممر الحي الأوروبي؟ انتهت المحاكمة، وصدرت الأحكام، فلماذا هذه الزيارة مرة أخرى؟ تساءلت؟ لا، هذا المحامي يأخذ الأمور على محمل الجد، فبدلاً من الذهاب لأخذ إجازة وقلب صفحة محاكمة كهذه، توجه لزيارة “موكليه” في اليوم التالي لصدور الأحكام: بالنسبة لعبد الرحيم، الأمر أكثر من مجرد واجب، إنه ضرورة.
بعد خمسة وأربعين عامًا من لقائنا الأول، ظل عبد الرحيم كما هو، صادقا مع نفسه منسجما مع ذاته. نشأت صداقة وثيقة بين أسرتينا: وأنا وزوجتي نعيمة. هو ومونيك. يستمتع صديقنا عبد الرحيم بصحبة من يحبهم ويحترمهم. أمضينا أمسيات معًا في النقاش، وإعادة تشكيل العالم، والضحك بصوت عالٍ، دائمًا ما يكون كأس طيب المذاق أنيسنا، هذا “الكأس النقي” الذي يسر تفاهمنا وتوطيد علاقتنا جيدًا!
ذات يوم، جاء يطرق باب منزلي بعد نشر كتابه “Plaidoirie pour un Maroc laïc”. أصر على تسليمه لي شخصيا، هو هكذا عبد الرحيم: مخلص لصداقاته، ومهذب، وينشد الإتقان. من خلال هذا الكتاب، يمكن إدراك شخصية الرجل بشكل أفضل، هذا القلم الجميل الذي لا يساوم: يتحدث بشكل مباشر، بدون زخرفة. ليس لدى المؤلف ما يخجل منه، صفحة نظيفة بدون أدنى تشطي، ويريدها أن تبقى على هذا النحو حتى آخر نفس له. هكذا هو عبد الرحيم، خذه كما هو أو اتركه كما هو. لن نتنازل له: نحن نتطلع بشوق وحب اطلاع إلى كتابه الموالي، حيث لا تزال في جعبته، بالتأكيد، أشياء ليكشف عنها، أشياء اختبرها، بشكل مكثف، طوال حياته المهنية كمحام وإنسان حر.